ادب وثقافة مصر الوطنمقالات

التخلي عن فكرة التطابق العلمي القديمه

د.عبدالواحد الجاسم

فكرة التطابق العلمي كانت الاصل على مدى قرون تحت ظل سيادة الفكر الفلسفي التقليدي، واستمر هذا الحضور حتى مع تغلغل الفكر العلمي إلى ما قبل القرن العشرين.

بدأ الاهتزاز يصيب الثقة العلمية، وتطور الحال حتى تعدلت النظرة العلمية ولم تعد فكرة التطابق حاضرة مثلما كان عليه الحال في الماضي.
وأخيراً ساد جو من الاعتقاد ((بأن الوصول إلى التطابق هو أمر مستحيل))
لإعتبارات بعضها علمية كتلك التي قدمتها( نظرية الكوانتم) في التفاعل بين الذات والموضوع، أو لإعتبارات نظرية الشواش (الكايوس) أو مبرهنة جودل، لا سيما عندما يكون الموضوع المدروس بعيداً وغير مباشر.
لذلك لجأ العلم إلى مبادئ براجماتية وتمثلية عديدة قد تعوض الخسارة التي منيت بها النظرة العلمية حول التطابق، ومن ذلك المبدأ الاصطلاحي لبوانكاريه والتكافؤ وثنائيات نظرية الأوتار (الإزدواجات) والبساطة والجمال والإتساق وتقبل النظريات التي تعاني من الشذوذ، وغير ذلك من المبادئ والقواعد التي أخذت تتحكم في القضايا العلمية عوض فكرة التطابق.

ان بعض هذه المفاهيم يتنافى مع هذه الفكرة، وان البعض الآخر لا يقتضيها بالضرورة. وانه كلما كانت الظاهرة المدروسة أكثر إبتعاداً عن المباشرة كلما زاد العمل بتلك المبادئ دون الالتزام بفكرة التطابق وإحتمالاتها التقريبية، كالذي تشهده الفيزياء المعاصرة اليوم. فهي وان كانت معنية بتفسير الطبيعة وفهم الكون لكنها تجد نفسها عاجزة عن التعبير عن كنه هذه الطبيعة، مما يجعلها تتخذ أهدافاً أخرى مختلفة.
فالعلم من هذه الناحية يتميز عن النظر الفلسفي، مثلما يتميز عن الفهم الديني في علاقته بمعنى النص كما هو.

ان إشكالية العلم اخذت منحى آخر لا علاقة لها بالبحث عن التطابق وما قاربه من قيم معرفية.
فما يهم العلم أمور أخرى كالبساطة والاقتصاد والجمال والتكافؤ وما إلى ذلك، بعد الإعتراف بالعجز عن تحقيق التطابق مع الواقع، تأثراً بالنظرة الفلسفية التي ترى ان العقل هو ما يحدد الموضوع دون عكس؛ كالذي نظّر له (عمانوئيل كانط)، ثم أخذت تتوسع حتى أصبحت مهيمنة على النظرة الكلية للعلم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى